لمّاهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلّم يركب, وأبو بكر رديفه. وكان أبو بكر يعرف الطريق لاختلافه الى الشام.
فكان يمرّ بالقوم فيقولون: من هذا بين يديك يا أبا بكر؟
فيقول: هاد يهديني.
وعن الحسن قال:
لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر من الغار لم يستقبلهما أحد يعرف أبا بكر الا قال له: من هذا معك يا أبا بكر؟ فيقول: دليل يدلّني الطريق.
وصدق والله أبو بكر.
وعو ابن عمر قال:
بينما عمر رضي الله عنهجالس اذ رأى رجلا, فقال: قد كنت مرّة ذا فراسة, وليس لي رأي ان لم يكن هذا الرجل ينظر ويقول في الكهانة شيئا.. ادعوه لي.
فدعوه فقال: هل كنت تنظر وتقول في الكهانة شيئا؟
قال: نعم.
وقد روّينا عن عمر رضي الله عنه أنه خرج يعسّ المدينة بالليل, فرأى نارا موقدة في خباء.
فوقف وقال: يا أهل الضوء.
وكره أن يقول: "يا أهل النار". وهذا من غاية الذكاء.
ومن المنقول عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه, عن البحتري قال:
جاء رجل الى عليّ ابن أبي طالب, فأطراه وكان يبغضه, فقال له:
اني ليس كما تقول, وأنا فوق ما في نفسك.
أخبرنا سمّاك بن حرب, عن خبش بن المعتمر أن رجلين أتيا امرأة من قريش, فاستودعاها مئة دينار وقالا: لا تدفعيها الى واحد منا دون صاحبه حتى نجتمع.
فلبثا حولا, فجاء أحدهما اليها, فقال: ان صاحبي قد مات, فادفعي اليّ الدنانير, فأبت وقالت: انكما قلتما لا تدفعيها الى واحد منا دون صاحبه, فلست بدافعتها اليك.
فتثقل عليها بأهلها وجيرانها فلم يزالوا بها حتى دفعتها اليه.
ثم لبثت حولا فجاء الآخر, فقال: ادفعي اليّ الدنانير.
فقالت: ان صاحبك جاءني, فزعم أنك مت فدفعتها اليه.
فاختصما الى عمر بن الخطاب, فأراد أن يقضي عليها, فقالت: أنشدك الله أن لا تقضي بيننا, ارفعنا الى عليّ.
فرفعهما الى علي, فعرف أنهما قد مكرا بها, فقال للرجل: أليس قد قلتما: لا تدفعيها الى واحد منا دون صاحبه؟
قال: بلى.
قال: فان مالك عندما, فاذهب فجئ بصاحبك حتى ندفعها اليهما.
:
لمل جيء بابن ملجم الى الحسن قال له: أريد أن أسارّك بكلمة.
فأبى لبحسن وقال: انه يريد ان يعض أذني.
فقال ابن ملجم: والله لو مكّنني منها لأخذتها من صماخه.
ومن المنقول عن الحسين رضي الله عنه أن رجلا ادّعى عليه مالا وقدّمه الى القاضي, فقال الحسين:
ليحلف على ما ادّعى ويأخذه.
فقال الرجل: والله الذي لا اله الا هو.
فقال: قل والله والله والل ان هذا الذي تدّعيه لك قبلي.
ففعل الرجل وقام, فاختلفت رجلاه وسقط ميّتا.
فقيل للحسين في ذلك فقال:
كرهت أن يمجّد الله فيحلم عنه!
ومن المنقول عن العباس رضي الله عنه أنه سئل:
أنت أكبر أم النبي صلى الله عليه وسلّم؟
فقال: هو أكبر مني, وأنا ولدت قبله.
وعن مجاهد قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلّم في أصحابه أذ وجد ريحا, فقال: ليقم صاحب هذا الريح فليتوضأ, فاستحيا الرجل.
ثم قال: ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ, فان الله لا يستحي من الحق.
فقال العباس: ألا نقوم جميعا؟
وقد جرى مثل هذه القضيّة عند عمر رضي الله عنه, عن الشعبي: أن عمر كان في بيت ومعه جرير بن عبدالله, فوجد عمر ريحا فقال: عزمت على صاحب هذه الريح أن قام فتوضأ.
فقال جرير: يا أمير المؤمنين: أو يتوضأ القوم جميعا.
فقال عمر: رحمك الله, نعم السيّد كنت في الجاهلية, ونعم السيّد أنت في الاسلام.
خرج أبو بكر في تجارة الى بصرى قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعام, ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة, وكانا قد شهدا بدرا, وكان نعيمان على الزاد, وكان سويطا رجلا مزاحا.
فقال لنعيمان: أطعمني.
قال: حتى يجئ أبو بكر.
قال: أمّا لأغيظنّك.
فمرّوا بقوم فقال لهم سويبط: أتشترون مني عبدا لي؟
قالوا: نعم.
قال: انه عبد له كلام, وهو قائل لكم: اني حر, فان كنتم اذا قال لكم هذه المقالة تركتموه, فلا تفسدوا عليّ عبدي.
قالوا: لا, بل نشتريه منك.
فاشتروه بعشر قلائص, ثم أتوه فوضعوا في عنقه عمامة أو حبلا, فقال نعيمان: ان هذا يستهزئ بكم, اني حر ولست بعبد.
فقالوا: أخبرنا بخبرك.
فانطلقوا به, فجاء أبو بكر فأخبره بذلك, فاتبع القوم فرد عليهم القلائص, وأخذ نعيمان, فلمّا قدموا على النبي صلى الله عليه وسلّم أخبروه, فضحك النبي وأصحابه منه حولا.